مؤتمر وارسو والذي حمل عنوان «السلام والأمن في الشرق الأوسط» أختتم دون إصدار بيان مشترك للمشاركين فيه وعددهم 62 دولة، وغاب عنه رؤوساء دول عظمى ورؤوساء حكومات، وقاطعته الدول العظمى روسيا والصين، وعدد من اللاعبين المهمين في الشرق الأوسط، وبينهم السلطة الفلسطينية وتركيا.
في نهاية المؤتمر لم تذكر القضية الفلسطينية أو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، واستبدلت كلمة الحرب على إيران بـ«الكفاح ضد إيران»، فالمؤتمر الذي تم تشبيهه بالسيرك الأمريكي لم يحقّق حتى اسمه، وأنّ تعقيدات ومعيقات ستواجهها إدارة ترامب في إعلانها لصفقة القرن بعد الانتخابات الإسرائيلية في نيسان القادم كما أعلن البيت الأبيض.
مؤتمر وارسو وأعتبره المؤتمر التمهيدي لمؤتمر إعلان صفقة القرن أثبت تعقيدات القضية الفلسطينية ومركزيتها، ولا يمكن أن تكون بوابة لرغبات ومؤامرات الإدارة الأمريكية والإسرائيلية، فلا يمكن لأي فلسطيني أن يوافق على نزع القدس من الدولة الفلسطينية أو أن تضمّ الكتل الاستعمارية الاستيطانية الواقعة فوق الأرض الفلسطينية، أو ابتزاز الشعب الفلسطيني من خلال رزمة قرارات جديدة وتهديدات وإغراءات اقتصادية وهمية، ثمنها تصفية القضية والمشروع التحرري والقرار الوطني المستقل، واشتراط الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل السلطة القائمة بالاحتلال.
يبدو أنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يشعر بالارتياح من الانتهاء من بنود صفقته التصفوية والتآمرية، وقد نفّذ وعوده للتيار الإنجيلي المتصهين في أمريكا وأذعن لمطالب اللوبي الصهيوني وقادة الاحتلال والمستعمرين المتطرفين، وهو يعرف تماماً أنّ القيادة الفلسطينية وفي مقدّمتها الرئيس أبومازن يرفضون رفضاً تاماً الصفقة وبنودها، وبالتالي فإنّ الحرب الأمريكية الاقتصادية على الشعب الفلسطيني يُراد بها نشر الفوضى الأمنية وتدمير الاقتصاد الفلسطيني، ويعتبر العامل الفارق والمميز في مواجهة كلّ هذه العنجهية الأمريكية والعنصرية الإسرائيلية هو تعزيز صمود شعبنا الفلسطيني فوق أرضه المحتلة.
برفض القيادة الفلسطينية لصفقة القرن والقرارات الأمريكية وسرعة ونجاح حشد الطاقات الدولية والإقليمية ضد تلك القرارات، وظّفت الإدارة الأمريكية الدعاية السلبية ضد الرئيس أبومازن والقيادة الفلسطينية، وقامت بالتحريض المباشر عليه، ومحاولات التأثير في معنويات الشعب الفلسطيني، من خلال اتّهام الرئيس بحرمان شعبه من فرصة النهوض، والانتعاش الاقتصادي، والحقائق تقول إنّ مَن يقوم بمنع المساعدات المالية وبل حرمان المستشفيات والمؤسّسات الفلسطينية وتهديد عمل الأونروا وإزاحة القدس واللاجئين لخارج طاولة أي مباحثات وحلول قادمة، هو الذي يستهدف الشعب الفلسطيني ويعلن العداء المطلق عليه والانحياز للاحتلال وبل حمايته ومنحه الضوء الأخضر لاستمرار عدوانه على الشعب الفلسطيني وآخرها منع زيارة مبعوثي مجلس الأمن للأراضي الفلسطيني وعدم السماح بتواجد البعثة الدولية في الخليل، ناهيك عن جريمة الاستيطان المستمرة والمتصاعدة فوق الأرض الفلسطينية وبذلك فإنّ الموقف الأمريكي المرفوض يؤسّس لفشل أي خطط أمريكية أو القبول بالتفرد بأي عودة للعملية السياسية.
إنّ المفهوم الأمريكي «إعادة ترتيب أوراق المنطقة»، يبدأ من صناعة تحالفات وشراكات جديدة غير متوازنة في القوّة الاقتصادية أو العسكرية، وبغايات وصلاحيات غير واضحة فيما يتم التجهيز لأن تكون «إسرائيل» فوق المنصة كما تحدث غرنبيلات في تعليقه على مؤتمر وارسو، بحيث تتحوّل إلى مركز اقتصادي وسط بيئة تطبيعية وأمنية برعاية وانحياز أمريكي كامل، وتلك الدول التي تنصاع للإدارة الامريكية.
إنّ نتنياهو الذي يصارع ملفات فساده من جهة ومحاولته للفوز بالانتخابات القادمة، يراهن على المتغيرات السياسية والدعم الأمريكي اللامحدود في كافة المجالات، لكي يحقّق إنجازاً على صعيد ابتزاز القيادة الفلسطينية وإرهاق الشعب الفلسطينية ميدانياً واجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، وربّما هو يعتقد أنّه في ظل الحالة الراهنة في الضفة الغربية لن تُفرز مواجهة جديدة، ويعتمد على استمرار وتداعيات الانقسام الداخلي الفلسطيني، وفي نفس الوقت يعمل بوتيرة متسارعة في الغرب وأفريقيا وفي الدول العربية لتغيير أوّلياتهم بما يخص القضية الفلسطينية وفتح المساحات لتطبيق صفقة القرن الأمريكية الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية وإنهاء المشروع الوطني والاستقلال والدولة الفلسطينية.
ملاحظة: من الأهميّة أن نستنتج ما هو المطلوب فلسطينياً لمواجهة صفقة القرن ومخرجات مؤتمر وارسو.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق